إسلام عبدالحميد يحاضر حول (أخلاقيات الباحث) في قاعة المؤتمرات

إسلام عبدالحميد يحاضر حول (أخلاقيات الباحث) في قاعة المؤتمرات

أقام مركز التدريب والتطوير والبرامج المجتمعية بالتنسيق مع كلية الدراسات الإسلامية ووحدة البحث العلمي في الجامعة محاضرة علمية بعنوان (أخلاقيات الباحث) ألقاها الدكتور إسلام السيد أحمد عبدالحميد، وتضمنت ثلاثة محاور فضلا عن المقدمة؛ المحور الأول (المقصود بأخلاقيات البحث العلمي) والمحور الثاني (أهمية أخلاقيات البحث العلمي) والمحور الثالث (الصفات التي يجب أن يتحلى بها الباحث)  

 

مقدمة عن الأخلاق

استهل الدكتور إسلام عبدالحميد المحاضرة بمقدمة عن الأخلاق، تضمنت تعريف الأخلاق وتعريف علم الأخلاق وموضوع الأخلاق وفضائل حسن الخلق ومصادر الأخلاق الإسلامية وخصائص الأخلاق في الإسلام، حيث أكد الدكتور على مكانة الأخلاق الرفيعةٌ في الدين الإسلامي، مستدلا بحثّ الإسلام على التخلّق بها، والعمل على تنميتها، بأحسن الصور والأفعال، إذ إنّ الإسلام يقوم على أربعة أصولٍ، وهي: الإيمان، والأخلاق، والعبادات، والمعاملات، ولذلك كان للأخلاق الفاضلة نصيباً وافراً في القرآن الكريم، والسنة النبوية، كما أنّ الفطرة السليمة تدعو وتحثّ على الأخلاق الفاضلة الكريمة، التي تستحقّ حمد صاحبها، وذلك استناداً إلى العقل والتفكير السليم، كما أنّ الرذائل تستحق ذم صاحبها . ونوه الدكتور إسلام بأنّ الدعوة إلى توحيد الله عزّ وجلّ، ونشر رسالة الإسلام، من الأمور التي تتطلب التحلّي بالأخلاق الكريمة والفاضلة، من القائم بها، حيث كان لزاما على طلاب العلم أن يتعلموا ويدرسوا مثل هذه المادة ( أخلاق العلماء ) والتي يتناول الطالب فيها مجموعة طيبة من الأخلاق الطيبة والآداب الحميدة والتي ينبغي للمسلم (بصفة عامة) و طالب العلم والداعية والعالم ( بصفة خاصة ) أن يتخلق ويلتزم بها؛ مؤكدا أن هذه المادة ( أخلاق العلماء ) ليست مادة نظرية بحته وإنما هي مادة علمية عملية تطبيقية ، نطبقها في كل شؤون الحياة.

 

المقصود بأخلاقيات البحث العلمي

بعد المقدمة شرح الدكتور إسلام المقصود بأخلاقيات البحث العلمي، وأكد أنها مجموعة القيم التي يلتزمها الباحث عند قيامه بعملية للوصول إلى نتائج لا تتناقض وعقيدة المجتمع أو ثقافته . أو هي إحياء القيم الأخلاقية للأبحاث العلمية لدى الدارسين والباحثين. مشيرا إلى أن أخلاقيات البحث العلمي ليست جزءا من عملية البحث نفسها، ولا المؤثر الوحيد في نتائج البحث؛ إنما هذه الأخلاقيات هي ضوابط خارجة عن ماهية البحث العلمي نفسه، تهدف إلى التحكم في سلوك الباحثين عند قيامهم بعملية البحث؛ ذلك أن هذه الأخلاقيات قيم ثابتة تحكم كل السلوك البحثي على اختلاف موضوعات البحث وتنوعها، وكذلك فإن هذه القيم ليست هي المؤثر الوحيد في نتائج البحث، وإنما هي واحد من مؤثرات كثيرة موضوعية تؤثر في هذه النتائج.

 

أهمية أخلاقيات البحث العلمي

ثم انتقل عبدالحميد إلى بيان أهمية أخلاقيات البحث العلمي؛ مؤكدا أنها تعزز أهداف البحث العلمي مثل زيادة المعرفة، وتدعم القيم المطلوبة للعمل التعاوني، وأنها تعني أن من الممكن مساءلة الباحثين عن تصرفاتهم أثناء عملية البحث، وتعطي للبحث موثوقية كبيرة لدى القراء، حين يتأكد القراء من أن الباحث قد التزم بأخلاقيات البحث العلمي في جميع مراحل الدراسة، وأنها تدعم القيم الاجتماعية والأخلاقية الهامة، مثل مبدأ عدم الإضرار بالآخرين. ونوه بأن مخالفة أخلاقيات البحث قد تنهي المسيرة العلمية للباحث، خاصة إذا قام بمخالفة خطيرة مثل، تشويه سمعة شخص، أو مؤسسة ما .

 

أسس البحث العلمي

شدد عبدالحميد على أن البحث العلمي كي يكون ذا نتائج إيجابية تخدم المجتمع وتعمل على ترقيته وتلبية حاجاته المختلفة، وكي تكون هذه النتائج مقبولة في ثقافة المجتمع، ولا تتعارض وهذه الثقافة، فتحوز قبول الناس ولا تخلق جدلا حول جدواها وانسجامها مع أخلاق المجتمع نفسه، حتى يتحقق ذلك كله فلا بد من أن تكون أخلاقيات البحث العلمي قائمة على أسس أولها العقيدة التي عرفها عبدالحميد بكونها الإيمان بالشيء إلى حد أن يصبح ذلك الشيء هو المحرك للعواطف والموجه للسلوك، مشيرا إلى أن العقيدة الإسلامية هي: "الإيمان بما أنزل الله تعالى على محمد (ص) بحيث ينعكس ذلك على سلوك المؤمن وتصرفاته" وأن البحث العلمي عند المسلمين قد خضع لمقتضيات عقيدتهم التي آمنوا بها، ويجب ألا يحيد عن هذه العقيدة مطلقا؛ ذلك أن العقيدة في هذا المجال تمثل النظام العام الذي يجب أن يلتزمه البحث العلمي، وأن الحيد عن هذا النظام لا بد وأن ينتج مخرجات وإن كانت إيجابية من منظور الكيف، إلا أنها سلبية في منظور العقيدة وتصورها للأشياء. وعلى ذلك فإن علماء المسلمين القدامى الذين لا يزال العالم يشهد لهم إلى يومنا هذا بالتفوق والنبوغ، وبالبراعة في البحث والكشف والابتكار، ما ولجوا أي مجال من مجالات العلم التي تناقض عقيدتهم، فما خاضوا في العلوم الضارة كعلم السحر والشعوذة والتنجيم المبني على المغيبات والكهانة، وعلوم السفسطة، والجدل العقيم، ولا قاموا بتلقين السلاطين والحكام العلوم التي يستعبدون بها رعاياهم كما فعل ميكافيلي مع حكام القرون الوسطى. وبمقتضى ذلك شدد عبدالحميد على أنه يحظر على العلماء اليوم إرهاق أنفسهم في أبحاث استنساخ الكائن البشري على سبيل المثال، وكذلك موضوع زراعة الأرحام، لما لذلك من مخاطر جمة على الإنسان لا يعلمها إلا الله تعالى.

 

وانتقل عبدالحميد إلى الأساس الثاني الذي هو فهم العلاقة الوثيقة بين الخالق والإنسان والكون، مفسرا ذلك بأن الله تعالى هو الذي خلق هذا الكون بما فيه الإنسان، وأن سنن الكون جزء من نظامه الذي لا يتخلف، وأن هذه السنن ذات علاقة بالإنسان نفسه، تتحقق من خلالها مصلحته، ويتوصل بها إلى تلبية احتياجاته، فتعاقب الليل والنهار سنة من سنن الكون، فيها مصلحة للإنسان، وفي ذلك يقول الله تعالى: [هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون] (يونس:67). وغير ذلك كثير من السنن الكونية. فالله تعالى هو الخالق، خلق هذه السنن لخدمة مخلوق آخر هو الإنسان، وخلص عبدالحميد إلى أن مخرجات البحث العلمي هي الأخرى يجب أن لا تخرج عن هذا الإطار فتكون في خدمة الإنسان نفسه، وملبية لحاجاته التي تعينه على الحياة. ومن هنا فإن كل بحث علمي يتعارض مع السنن الكونية إنما هو إهدار للطاقة العقلية، والمال والجهد بلا طائل، وعليه، فلا مجال للتفكير في تغيير هذه السنن، لقول الله تعالى: [سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا]

 

ثم تناول عبدالحميد الأساس الثالث من أسس البحث العلمي الذي هو الكرامة الإنسانية، مؤكدا على حقيقة أن الإنسان مخلوق مكرم، [ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وزرقتاهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا] (الإسراء:70)، ومقتضى كرامة الإنسان ألا يهان أو يؤذى أو يعتدى عليه بغير وجه حق، فما كان من ذلك فهو محرم شرعا، وسلوك لا يجيزه الشرع ويمنعه بل ويلصق به صفة التجريم. وعلى ذلك فإن البحث العلمي يجب أن لا يمس بكرامة الإنسان بحال من الأحوال، بأن يكون الإنسان حقلا للتجارب العلمية، إلا عند الضرورة التي ضبطها العلماء، وكذلك جعل أعضائه سلعة تباع وتشترى وغير ذلك من الأبحاث التي تتعارض وهذا المبدأ.

 

الصفات التي يجب أن يتحلى بها الباحث

بين الدكتور إسلام أهم مبادئ وأخلاقيات الباحث العلمي، وقد لخصناها دون ذكر الأدلة من القرآن كما يأتي: 

١- الصدق، فالله تعالى قد أمر بالصدق، ومدح الصادقين في كتابه العزيز ونهى عن الكذب وذم الكاذبين . والصدق هو القول المقبول لمطابقته الواقع، ومخرجات البحث العلمي يجب أن تتصف بالصدق؛ وهذا لا يكون إلا إذا كانت معطياته صادقة، مطابقة للواقع، ذلك أن الكذب في مخرجات البحث العلمي هو تزييف للحقيقة، وتضليل للناس، فالكذب في مخرجات الأبحاث الاجتماعية مثلا، يعني تضليل المجتمع، والانحراف به عن جادة الصواب، والكذب في مخرجات الأبحاث الاقتصادية يعني خسائر في الاقتصاد وغير ذلك. كما يجب ألا تختلق أي بيانات، بما في ذلك الاستنتاج بشكل غير معقول من بعض نتائجك، حيث أن المبالغة في تفسير النتائج تقلل من مصداقية الدراسة، وبشكل عام يجب عليك ألا تقوم بأي أفعال قد تظهر على أنها محاولات تضليل. 

٢- الأمانة والأمانة عكس الخيانة، وقد أمر الله تعالى بالأمانة ونهى عن الخيانة والبحث العلمي هو أمانة من الأمانات؛ ذلك أن الباحث لا ينتفع وحده بثمار بحثه، وإنما مخرجاته ذات أثر في المجتمع، فإذا خان فيه بأن غش في مدخلاته، ولم يتحر الحق فيها، وزور مخرجاته، أو جحد ما هو صادق منها، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، كما ورد في الآيات. وجحد الحقيقة في البحث العلمي إنما هي تلبيس على المجتمع في شتى جوانب حياته. 

٣- الموضوعية وتشير الموضوعية إلى تجنب الانحياز والمحاباة لصالح الآراء والميول الشخصية، خاصة في قسم عرض النتائج ومناقشتها، وقسم التوصيات والمقترحات.

 ٤- عدم انتحال شخوص الآخرين، ويكون هذا في البحث العلمي بما يسمى سرقة الأبحاث العلمية ونسبتها إلى النفس، وهذا محرم في شرع الله تعالى، حيث فيه انتحال لأشخاص الآخرين. ومن كان من هذا القبيل لا يمكن أن يكون مؤتمنا على عمل يعود جناه على الأمة بأكملها، لأن من يحتال على شخص فيسرق عمله، قد يحتال على الأمة بأسرها.

٥- الإشارة إلى الاقتباس وعدم بتر الكلام، فلا يجوز انتحال شخوص الآخرين بنسبة عملهم إلى النفس، فكذلك بجب الإشارة إلى ما نقتبسه من أقوالهم، والمروءة وحسن الخلق يقضيان بنقل أقوال الآخرين وأفكارهم كاملة غير مبتورة، على نسق (ويل للمصلين) من أجل اتخاذها مطية لإثبات قول أو فعل، لا علاقة بالكلام المقتبس به، وهذا من الخطورة بمكان، لأننا نحمل في هذه الحالة صاحب الاقتباس ما لم يقله، وننسب إليه ما لا يرضى أن ينسبه لنفسه، وهذا محرم .

٦- حسن عزو المعلومات إلى مصادرها الأصلية، وهذا من بدهيات البحث العلمي، وهو فرع عن الأمانة التي تحدثنا عنها سابقا، حيث سوء العزو أو إهماله يعني جحد حقوق الآخرين، والجور عليهم، وفي هذا تزييف للحقائق، وهو لا يتناسب مع طبيعة البحث العلمي

٧- الدقة، والمقصود بها حسن التمييز بين الأشياء، والوضوح في الرؤيا، ومعرفة حدود موضوع البحث. أثناء العمل على دراستك تجنب ارتكاب الأخطاء الفادحة، وحاول مراجعة عملك بعناية، ونقحه بشكل محايد، للتأكد من مصداقية النتائج، كما أن من الضروري أن تقوم بالاحتفاظ بجميع مراحل البحث على شكل مسودات أو سجلات كاملة، فمن المحتمل أن تفيدك في مرحلة كتابة النتائج والتوصيات. وللدقة أثر كبير على مخرجات البحث العلمي؛ إذ الدقة في عملية البحث وإجراءاته، تعنى مخرجات دقيقة، إذا النتائج دائما تتبع المقدمات، أما الخلط في المفاهيم، والأدبيات، وعدم تحرى الدقة في عناصر البحث وخاماته - كما هو الحال في الأبحاث التطبيقية - قد تؤدى إلى نتائج سلبية غير دقيقة لا محالة. 

٨- الحرية، وهي تمكن الباحث من القيام بالعملية البحثية دونما إملاءات أو شروط، إلا فيما يتعلق بمنهجية البحث، والالتزام بالأسس التي يقوم عليها البحث العلمي، والتي ذكرناها في بداية هذا البحث؛ ذلك أنه لا توجد حرية مطلقة، وإنما لكل عمل ضوابطه وحدوده كما هو معلوم. والقرآن الكريم يأمر بتدبر الأمور والنظر فيها دونما قيد إذا كانت غير خارجة على الأسس السابقة وخصوصا العقدية منها. وعلى ذلك فالحرية في البحث العلمي تثرى عملية البحث، وتفيد في تعدد جوانبها وموضوعاتها، وتحرض على المنافسة بين الباحثين، بما يحقق التقدم العلمي المنشود، وهذا هو سبب تفوق علماء المسلمين في صدر الدولة الإسلامية، أن كانوا على قدر وافر من الحرية التي مكنتهم من خوض كل مجالات الحياة، ومنها ما لم يعرفه من كانوا قبلهم من العلماء. 

٩- الجرأة، ونعنى بها هنا الإقدام بلا خوف أو وجل على مجالات البحث المختلفة، والتصريح بمخرجات الأبحاث مهما كانت آثارها، إن على فرد بعينه، كالحكام وولاة الأمور، أو على المجتمع . وقد ضرب لنا الإمام أحمد بن حنبل مثلا رائعا في التصريح بمقتضى علمه في أمر خلق القرآن، وتحمل كل ما تحمل من الأذى والعذاب في سبيل قول الحق. ذلك أن في الجبن كتم الحقائق، وضياع الحقوق، وخصوصا إذا كانت مخرجات البحث ذات علاقة بالناحية الاجتماعية فإنها تعنى قيام البناء الاجتماعي على منظومة من الأخطاء، التي يرسخ في أذهان الناس صوابها. أما في المجالات التطبيقية فإن الجبن وعدم الجرأة في إعلان نتائج الأبحاث، أو الخوض في مجالات بحثية معينة قبل ذلك، يؤدى إلى تخلف المجتمع عن ركب الحضارة، كما هو حاصل في كثير من المجتمعات اليوم التي حرمتها الدول المهيمنة عالميا من الخوض في مجالات أبحاث الطاقة النووية وغيرها .

١٠- عدم المساس بالكرامة الإنسانية، فالإنسان مخلوق مكرم؛ وعلى ذلك لا يجوز المساس بهذه الخاصية للإنسان، لا حال حياته ولا حال مماته، فلا يجوز جعل الإنسان مسرحا للأبحاث والتجارب العلمية إلا في حالات الضرورة التي يترتب عليها مصلحة محققة للإنسان، وعليه فإنه لا يجوز القيام بأبحاث الاستنساخ التي تهدف إلى استنساخ كائن بشرى بالكامل، وكذلك لا يجوز القيام بالأبحاث التي تؤدى إلى اختلاط الأنساب كزراعة الأرحام، والخصى وغير ذلك من التجارب التي تجرى على خلايا المنشأ، وكذلك لا تجوز تجارب تحويل الجنس، وبالجملة فإنه لا يجوز القيام بالأبحاث التي تؤدي إلى سلب كرامة الإنسان أو تشويه صورته وإخراجها عن أصل خلقتها التي خلق الله البشر عليها.

١١- حماية البشر، إذ يجب على الباحث أن يقلل المخاطر المحتملة على العينة التي اختارها، كما عليه أيضا أن يحفز المشاركين في دراسته بكل الطرق الممكنة، ومن الجدير بالذكر أن استغلال أفكار وآراء المشاركين في الدراسة لأغراض ليس لها علاقة بالبحث يعتبر انتهاكا صارخا لأخلاقيات البحث العلمي، حيث أن على الباحث دائما احترام حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الخصوصية والاستقلالية. 

١٢- السرية، إذ يجب على الباحث احترام سرية البيانات التي يقدمها المشاركون في دراسته، كسجلات المرضى، والآراء والأفكار التي يقدمها أفراد العينة بناء على ثقتهم فيك كباحث. 

١٣- النشر المسؤول، يجب على الباحث النشر للنهوض بالبحث العلمي والمعرفة، وليس فقط للنهوض بحياته المهنية. هذا يعني، أن عليه العمل بجهد كبير لإنتاج دراسة علمية أصيلة تضيف للعلم وتثرى مجال تخصصه.

١٤- عدم إلحاق الضرر بالبيئة وتخريبها، فالله تعالى سخر للإنسان ما في الكون ثم كلفه بعمارته حتى تستقيم حياته، وعلى ذلك فلا يستقيم أن يقوم الإنسان بتخريب هذا الكون الذي يمكنه من خلاله الوفاء بحاجاته ومتطلبات حياته؛ ومما بجدر التأكيد عليه في هذا المقام ضرورة عدم تعذيب الحيوان مهما كان؛ وخصوصا عند إجراء التجارب عليه، وأن التجارب على الحيوان لا تكون إلا للضرورة التي لا بد منها، على أن لا يعذب الحيوان أثناء التجربة إذا كان لا بد من القيام بالتجربة عليه، فقد دعانا رسول الله إلى الرفق بالحيوان بقوله: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته .

 ١٥- الاعتناء بالحيوان، إذا كان الباحث يستخدم الحيوانات في بحثه، فيجب عليه دائما التأكد من أن تجاربه ضرورية ومصممة بشكل جيد، ويجب عليه التأكد من الاعتناء بها بشكل صحيح.

١٦- عدم إهدار الطاقة العقلية في المغيبات؛ فإن الإسلام يرى أن الطاقة العقلية هي نعمة وهبها الله تعالى للبشر، ومن هنا فإن الإنسان مطالب بالحفاظ على هذه النعمة، وعدم إهدارها فيما لا طائل منه، ومن ذلك إعمالها في المغيبات، فكل ما يوجه إلى المغيبات من الأبحاث ممنوع في الإسلام؛ لأن البحث فيها لا ينتج شيئا، لعدم إمكانية تصورها، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره، لذلك جاء في الحديث الشريف عن النبي (ص) "تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذات الله"

١٧- المقدرة على النقد الذاتي والاعتراف بالخطأ، وذلك من أهم الأخلاق التي يجب أن تتوفر في البحث؛ ذلك أن تقويم السلوك البحثي ومراجعته، وكشف خطئه والاعتراف بهذا الخطأ، ضمان هام من ضمانات نجاح البحث العلمي، وتوجيهه باتجاه الصواب.

 

أخلاقيات الباحث (خلاصة)

في إطار تلخيصه لأخلاقيات الباحث عرف عبدالحميد الباحث بقوله : هو من يسهم بمجهود فكري في البحث، وإدارة شؤون البحث من ناحية التمويل والمتابعة الإدارية والنشر. ثم أشار إلى عدد من الأخلاقيات التي يجب أن يتخلق بها كالموضوعية، إذ على الباحث ان يكون موضوعيا قي أبحاثه وتحليلاته ولا يصبغ البحث بأفكار ذاتية أو أفكار مسبقة لا تستند إلى العلم. ويحاول قدر الإمكان الاستشهاد بآراء وأقوال العلماء. وقال عبدالحميد إن من أخلاقيات الباحث الحرص على التعاون؛ ففي الوقت الحالي هناك توسع وتداخل هائل في مجالات العلوم المختلفة مع بعضها البعض فهذا يفرص التعاون بين هذه المجالات. مثل الباحث في المجال الطبي يحتاج إلى من يتعاون معه من مجالات التحاليل الطبية والكيمياء والصيدلة والإحصاء وغيرها. وقال إن على الباحث أن يتخلق بالإتقان والإخلاص؛ فيجب عليه أن يقتبس بدقة ويختار أقوى الأدلة ويستعمل أحدث الأجهزة العلمية الدقيقة ويعرض النتائج بصدق ويكتب بلغة سليمة، وعليه احترام أخلاقيات البحث، بأن يكون صادقا وملتزما بحيث يحترم خطوات البحث ولا يزيف في النتائج. لأن تزييف النتائج يعتبر مشكلة أخلاقية كبيرة. كما عليه أن يتخلق بالأمانة العلمية وذلك بأن يحترم نتائج الآخرين وأفكارهم واحترام الملكية الفكرية للباحثين بحيث يشير لاقتباسه منهم لأن من حق الباحث على الباحث ان يشار إلى فكره وعمله. ومن يفتقر الي الأمانة العلمية يعد سارقا لأفكار الآخرين.

 

صفات الباحث العلمي

ميز عبدالحميد بين الأخلاقيات والصفات، فإضافة إلى الأخلاقيات التي سبق ذكرها قال عبدالحميد إن على الباحث العلمي أن يتحلى بمجموعة من الصفات ومنها التحلي بالصبر والعزيمة القوية للتغلب على المشاكل التي قد تعترض بحثه، والأمانة العلمية ، فيما ينقل عن الآخرين، والاطلاع المستمر على كل جديد في مجال موضوعه البحثي، ويجب أن يكون المرء عارفا بأصول المنهج العلمي العام والخاص اللذين يناسبان بحثه. ويجب عليه أن يتصف بدقة الملاحظة ، ليتمكن من الاستنباط والاستنتاج والموازنة والنقد، وعليه أن يتصف بالشك والتجرد من الآراء التي لم يقم عليها دليل، وعليه أن يتصف بالموضوعية ويعني أن يدخل الباحث في بحثه متجردا عن آرائه الخاصة وأهوائه الشخصية، وعليه الاستفادة الدائمة من توجيهات وإرشادات المشرفين على البحوث.

 

دور لجان أخلاقيات البحث العلمي 

أشار عبدالحميد إلى أن معظم الجامعات لديها لجنة للأخلاقيات وظيفتها التدقيق في جميع مقترحات الأبحاث، للتأكد من أنها لا تثير أي قضايا أخلاقية، وذلك يشمل جميع أبحاث الدراسات العليا، رغم أن معظم تلك المقترحات تكون مقدمة من قبل الأساتذة المشرفين توفر لجان أخلاقيات البحث العلمي نموذج معياري يتوجب على طالب الدراسات العليا أن يلتزم به ليحصل على الموافقة الأخلاقية، ويشمل النموذج طريقة جمع البيانات، وعينة الدراسة، وكيفية التعامل معهم، وهل تم الحصول على موافقتهم أم لا قبل البدء في استطلاع آرائهم . ومن أهم الأدوار التي تقوم بها لجان الأخلاقيات، التأكد من أن أهداف الدراسة متناغمة مع الإجراءات البحثية التي يقوم بها الباحث، وإذا أثار مقترح بحثي قضايا أخلاقية، فستطلب اللجنة من الباحث إعادة النظر في دراسته مرة أخرى، ليحدد هل يستطيع القيام بالدراسة بشكل مختلف أم لا ، على سبيل المثال، إذا كنت تقترح إجراء دراسة حول مرض معين ، وتريد أن تسأل جميع المشاركين عما إذا كانوا متزوجين ولديهم أطفال أم لا، فقد "ترغب اللجنة في معرفة صلة هذا السؤال بموضوع بحثك"

وختم الدكتور إسلام المحاضرة ببعض النصائح العامة حول أخلاقيات البحث العلمي، قائلا : إذا كنت غير متأكد من كيفية التصرف في موقف معين، وتعتقد أنك قد تواجه معضلة أخلاقية، فعليك دائما أن تطلب النصيحة قبل أن تتصرف. ولا تخجل من الرجوع لأستاذك بين الفينة والأخرى لتستفسر منه حول القضايا الأخلاقية. ويجب عليك استشارة المزيد من الزملاء الأقدم منك في المجال البحثي. وينبغي الاهتمام بأخلاقيات البحث العلمي والتربوي على قدر الاهتمام بالأبحاث العلمية؛ لزيادة الفائدة والوصول إلى الأهداف التي تمنح القوة والرفعة للمجتمعات، وأكد عبدالحميد أن البحث العلمي في الوقت الراهن هو الوسيلة الفعالة التي لا يمكن أن يستغني عنها بنو البشر؛ من أجل رفع كفاءة الإدارة في جميع ميادين الحياة، ومن ثم حسن إدارة وتخطيط الأعمال، والوصول بها إلى مرحلة النجاح؛ من خلال زيادة الكفاءة، والبحث العلمي هو سبيل قيام الحضارات، وجميع الأمم التي حققت التطور الملموس في التكنولوجيا والعلوم، ومن سلك الدروب وقطع أشواطا طويلة في التنمية والتقدم إنما هم من آمنوا بأن العلم هو المنهج والطريق، وبالتالي تم تطويع الإمكانيات المتاحة في البيئة المحيطة لتحقيق التقدم . وخلص إلى أنه ينبغي علينا في عالمنا العربي أن نسير على نفس النهج، ونهتم بالبحث العلمي، وندعم الباحثين والطلاب، ونخصص الموارد التي تساهم في تحقيق ذلك.

في ختام هذا التقرير تجدر الإشارة إلى أن عدد الحضور تجاوز ٢٢٥ مشاركا حيث ألقيت المحاضرة في قاعة مؤتمرات المركز الرئيسي الكبرى على الزووم ونالت إعجابا وتفاعلا كبيرين، وقالت عنها المديرة التنفيذية لمركز التدريب والتطوير الدكتورة مُيَسَّر سلامة : " تميزت كلية الدراسات الإسلامية بهذه المحاضرة" .