المفكر الإستراتيجي جاسم السلطان يحاضر في إعداد إنسان النهضة

المفكر الإستراتيجي جاسم السلطان يحاضر في إعداد إنسان النهضة

أقام مركز التدريب والتطوير والبرامج المجتمعية في الجامعة الإسلامية بمنيسوتا - المركز الرئيسي ورشة تدريبية بعنوان (كيف يتم إعداد إنسان النهضة - طلبة الجامعات أنموذجاً) قدمها الدكتور جاسم محمد سلطان (مفكر وكاتب وخبير استراتيجي ومؤسس مشروع النهضة) وأدارتها الدكتور ميسر سلامة أبو عمرة المديرة التنفيذية لمركز التدريب والتطوير والبرامج المجتمعية واستهدفت المحاضرة طلبة العلم من داخل الجامعة وخارج .

الدكتور السلطان بحسب مقدمة الدكتورة ميسر خبير إستراتيجي لمؤسسات حكومية وخاصة عكف على دراسة قضية النهضة قرابة عشرين عاما ثم أطلق مشروع إعداد القادة الذي يهتم بإعادة ترتيب العقل كي يفهم الواقع ويحسن اتخاذ القرارات، وهو صاحب أقوى سلسلة في إعداد القادة، بلغت ٢٢ كتابا ومن كتبه كتاب من الصحوة إلى اليقظة وكتاب قوانين النهضة وكتاب فلسفة التاريخ .

يبدأ السلطان الموضوع بمدخل على شكل سؤال : ما هي الخارطة العملية التي يمكن أن يعد بها طالب الجامعة ليكون مساهما في نهضة الأمة بما يستطيع؟ ويبدأ بتعريف النهضة منبها إلى أن بعض الناس يعرفها بالجزء الظاهر منها مثل الجانب المادي كنهضة سنغافورة مثلا، وبعضهم يرى أن وجود المثلية في بلاد ينفي عنها صفة النهضة، وهذا قياس بما ظهر من النهضة .  

ويعرف السلطان النهضة بقوله : هي أفكار حية تتنزل على بيئة ركود فتثيرها وتفعلها وتدخلها في دورة حضارية جديدة . ويصف النهضة وفقا للتعريف ب(حركة أفكار)، مؤكدا أنه عندما تنحط الأفكار المتعلقة بوجود الإنسان وحياته ينهار المجتمع ويصاب بالركود . ولكن ما هي هذه الأفكار الكبرى التي يجب علاجها في أي مجتمع، والتي في حالة نقصها أو غيابها يصبح واجب طلاب النهضة غرسها من جديد؟ يتساءل السلطان ويجيب :

الفكرة الأولى : النظرة الإنسان . كيف ينظر المجتمع للإنسان، النظرة الفردية ونظرة الأسرة، ونظرة المؤسسات والأحزاب والحكومات . كيف هي النظرة للإنسان من ناحية كرامته الوجودية التأسيسية، بغض النظر عن دينه وعرقه وطائفته ومذهبه .. كيف ينظر له من ناحية حقوقه وخاصه البر (حسن الخلق) والقسط (العدالة)، ما مدى امتلاء المجتمع بالقيمة الأخلاقية والقانونية للإنسان كإنسان .

الفكرة الثانية : النظرة للبيئة الطبيعية . كم درجة إحساس المجتمع بالبيئة الطبيعية المحيطة به؟ هل هي كنز أسرار ينبغي اكتشاف قوانينه وتسخيرها؟ أم مجرد حيز مهمل لا احترام له؟ . يؤكد السلطان أن قانون التسخير هو الأساس للعلاقة بالبيئة، ويرى أن قانون التسخير لدى مجتمع إذا توقف يتحول إلى قانون الاستهلاك وهذا يعبر عن تآكل الدورة الحضارية لهذا المجتمع .

الفكرة الثالثة : النظرة للعلم . هل العلم وسيلتنا لاكتشاف العالم؟ أم هو مجرد شهادة جامعية؟

الفكرة الرابعة : النظرة للوقت . ما هي العلاقة بالوقت؟ المجتمعات الناهضة الوقت عندها ثروة تتقاتل للاحتفاظ بها، والمجتمعات الأخرى الوقت عبء يجب التخلص منه، وفقا لمفهوم كيف "نضيع" الوقت، ولا يدخل ضمن ذلك الترويح المطلوب .

الفكرة الخامسة : النظرة للعمل . هل أريد عملا فقط؟ أم عملا له معنى ومؤثرا في حياة الناس (يذكر الدكتور قصة عامل النظافة في وكالة ناسا الذي سئل عن عمله فقال : أساهم في إطلاق الصواريخ) مقررا أن إحساس الإنسان بأهمية العمل الذي يقوم به مهما كان صغيرا ودرجة فخره بهذا العمل ونظرة المجتمع الإيجابية لهذا العمل وللأعمال الصغيرة في سياقاتها الكبرى مهمة جدا في نجاح المجتمع .

الفكرة السادسة النظرة للدين . هل الثقافة التي تدور حول النص الديني هي الثقافة التي تدعونا للفاعلية في الحياة والعمل والإبداع؟ أم التي تزكي عندنا الرغبة بالانسحاب من الحياة؟ (مهمة الاستخلاف : تبدأ من الأخلاق وإعطاء الناس حقوقهم قبل حق الله، لأن الله يتسامح في حقوقه ولا يتسامح في حقوق الخلائق - الأنبياء ذكروا بأعمالهم النافعة للمجتمع كيوسف وداود ..؛ لأن في ذلك المعنى الأساسي للتحضر) .

الفكرة السابعة : النظرة للمواطنة . المواطنة أساسها المساواة (في عمق تفكيرنا الناس غير متساوين وعندنا لا بد من هرم لتقسيمهم)!

الفكرة الثامنة : النظرة للعلاقة مع الأمم الأخرى . هل ثقافتنا تبني جسورا معها أم تبني قلاعا وحصونا؟! هل يجب معرفة الآخر للتعامل معه أم واجبنا صناعة العداوات؟! ثقافة المجتمع الآن تقود باتجاهات متباينة وكل اتجاه له ضريبته الخاصة (يشير إلى اتجاه العداوة مع الآخر، واتجاه الذوبان في الآخر) .

يؤكد السلطان أن "الاستعمار والاستبداد والفشل الاقتصادي .. عوائق حقيقية ناتجة عن فشلنا في نظرتنا للأفكار الكبرى السابقة، ولكنه يعتقد بأن أزمة الفرد المسلم في تكمن عقله، واصفا هذه الأزمة بكونها الأخطر، مبررا ذلك بأن المسلم :

- لا يدرس الواقع ليتعلم منه بل يدرس الماضي .

- مكتبة المسلم - والكلام للدكتور - لا تنتمي إلى عصرنا (الذي بدأ في القرن الثالث عشر وحدثت فيه ثورات غيرت البشرية) بل تنتمي للماضي (ويحذر : لا يعني ذلك عدم قراءة الماضي) لكن يجب قراءة العصر وما يحفل به من أفكار وصراعات .

- ثقافة المسلم قديمة تميل إلى ما ينتج الفرقة والانقسام وتنتمي لواقع قديم بصراعاته .

ويلخص السلطان هذه الأزمة : المشكلة الأساسية هي أننا نعيش منفصلين عن الواقع، ومنفصلين عن العصر ولدينا بنية ثقافية تفرق أكثر مما تجمع .

ويرى السلطان أننا إذا تغلبنا على العوائق الثمانية، واستطعنا بناء فكر جديد، فهناك ثلاث وصايا أساسية يستطيع الشاب أن يفكر فيها ابتداء (كن مشروعا أو كون مشروعا أو ادعم مشروعا) ويشرح : إذا استطعت أن تكون أفضل مهندس فأنت بنفسك مشروع، لكن الأفضل هو تكوين مشروع بتشغيل طاقات أناس آخرين . وحين لا تستطيع هذا ولا ذاك فادعم مشروعا كي تساهم في النهوض .

يربط السلطان الشعار السابق بشعار آخر يدعمه ذي ثلاثية رمزية جميلة تحيل إلى السنة النبوية والسيرة النبوية، ويراه شعارا مناسبا حين تسوء الظروف كالتي نعيشها الآن في بعض المجتمعات العربية، وهذا الشعار هو (التمرة والفسيلة والثوب)

- التمرة : حين تصعب الظروف تستطيع التصدق بشق تمرة! فلا تيأس من أن هذا الفعل الصغير لن يؤثر في مسار حركة التاريخ!

- الفسيلة : حين تسوء الظروف لدرجة ركوب البحر للهجرة بحثا عن وطن آمن، تستطيع رغم ذلك عمل شيء، لأنك مدعو لغرس فسيلة حتى لو قامت القيامة!

- الثوب : يعجز الإنسان عن فعل الشيء الصغير لأنه يعتقد أنه مسؤول عن الكون (يقول له عقله : ماذا سيجدي فعلك؟!) هو لا يعرف أن في مكان آخر أناس آخرين لهم نفس الهم، يمسكون بطرف من الثوب هو لا يراه (يشير إلى قصة الثوب الذي رفع به الحجر الأسود لمكانه في الكعبة حين أمسكت كل قبيلة بطرف) وحجر النهضة تحمله أطراف كثيرة - يقول السلطان - وقد لا نرى من يكد الآن، ونرى الجزء الصغير الذي أمامنا فقط فنزهد فيه، رغم أنه هو الجزء الناقص للنهضة .

يقرر السلطان أنه يجب توافر الرغبة في النهوض والإرادة في الفعل والعزيمة في مباشرة الفعل والانطلاق فيه، ففي هذه الحالة تتوافر العناصر الأساسية لطالب الجامعة ليكون شيئا مختلفا . وهو يرى أن هذه القضية متعلقة بنفسية الإنسان مستدلا بالآية (( قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم)) ويخلص إلى أن المهم البداية حتى لو كنت وحدك؛ انطلاقا من الاعتقاد بأن هناك آخرين بدؤوا في مكان آخر، ويستدل بقصة يونس الذي عاد من بطن الحوت فوجد قومه قد تغيروا؛ لأن الله سخر غيره دون علمه، ومثل هذه القصة قصة أصحاب الكهف الذين استيقظوا فوجدوا المجتمع قد تغير، لأن الله سخر غيرهم . ويستنتح السلطان : عملك الصغير لا يقل أهمية عن عمل المفكرين والقادة الكبار، فحركة النهضة ثوب متعدد الأطراف أمامك طرف واحد .

وبعد هذا العرض المختصر المكثف الشيق يدخل الدكتور لصلب الموضوع بتساؤل : ما الذي يمكن أن يفعله الطالب الجامعي؟ هل هو حفظ المنهج أم الكشف عنه واستخدامه؟ ويسرد قصة الشابين اللذين أنزلا من النت كل ما يتعلق بعالم المال "البزنس"، وتفرغا لقراءة ما أنزلاه قراءة عميقة، حتى تكونت لديهم ثقافة واسعة في هذا المجال استخدماها في تكوين مشروع ضخم، وصارا خبيرين في مساعدة الشباب لولوج عالم المال . ويقرر الدكتور : التعلم والتعلم العميق متاح وطريق المعرفة لم يعد صعبا، ويستطيع الشاب تكوين الثقافة اللازمة للانخراط في مشروع النهضة بالتعلم الذاتي، ويصف الطالب النهضوي بكونه طالبا جامعيا يهتم بأن يكتسب المعرفة ويكتشف العالم لتوظيفه للنهضة؛ ويقترح على الشباب الاستعانة بموقعه : 

jassimalsultam.com

من كتب ومحاضرات وبرامج لتكوين ثقافة تساعدهم على أن يكونوا مختلفين .

الجدير بالذكر أن المحاضرة استمرت ساعة واحدة لكنها كانت مركزة ومكثفة، ومليئة بالحكم والنظرات العميقة والشاملة من مفكر فذ زاوج بين سعة الثقافة والعمق والشمول والتعبير الدقيق .