(نحو المعالي) ورشة لبن حُلًيس في قاعة المؤتمرات

(نحو المعالي) ورشة لبن حُلًيس في قاعة المؤتمرات

أقام مركز التدريب والتطوير والبرامج المجتمعية في (الجامعة الإسلامية بمنيسوتا - المركز الرئيسي) ورشة تدريبية بعنوان (نحو المعالي) قدمها الدكتور الخضر سالم بن حُليس (مستشار تنمية وتدريب، ودكتوراه في أصول التفسير، وباحث وإعلامي) وأدارها سكرتير مركز التدريب المهندس المعتصم فائز.

بدأ الدكتور الخضر بوصف الورشة بكونها "أفكار تشدنا نحو المعالي من خلال قوانين النجاح" مشيرا إلى كتاب ألفه بعنوان (ماذا سيخسر العالم بموتك؟) حيث العنوان سؤال يجب طرحه على الذات؛ فالسؤال – يقول الدكتور - يقودنا إلى التفكير الجدي بالعمل لأن التفكير يدفعنا للخطوات اللازمة وترك بصمة محددة مثل رصيد علمي ومعرفي أو عملي أو رصيد العمل لما بعد الموت.

وأشار بن حليس إلى حقيقة أننا نعيش مرة واحدة؛ ولذا هناك من ولد ليموت وهناك من ولد ليعيش؛ فالبخاري مثال لمن ولد ليعيش والنووي "رغم حياته القصيرة" والعلماء والمخترعين والباحثين، أما الصنف الثاني حتى لو عاش 100 سنة فهو ولد ليموت. وذكر الدكتور قصة اثنين في المستشفى أحدهم يستخرج شهادة وفاة وآخر يستخرج شهادة ميلاد. ولاستحضار هذا المعنى قال حليس إن على كل شخص أن يكتب مرثية لنفسه بعد موته؛ كي يكتشف ما الذي يمكن أن فعله كي تكون هذه المرثية ذات قيمة.

ودخل بن حليس في صلب الموضوع بشرح القانون الأول من قوانين النجاح وهو ]أنت حيث تجعل نفسك[ منشدا البيت: وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ** ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل، واستعرض في هذا الإطار من خلال مقولات محددة مثل (لا تلم الآخرين) (الذي ولد ليزحف لا يستطيع الطيران) (ومن لا يحب صعود الجبال ** يعش أبد الدهر بين الحفر) ومقولة مارتن لوثر (إذا جعلت من نفسك دودة فلا تلم من يدوسك بقدمه) .

ثم ذكر أمثلة لتدعيم هذا القانون مشيرا إلى قصص عالمية استعرضها صاحب كتاب (كيف تحصل على أي شيء تريده) الموجود على الشبكة والذي نصح بقراءته، لكنه قال إن هذه القصص وقعت في سياق حضاري وثقافي مختلف؛ وشدد على أن تراثنا مليء بالقصص المنسجمة مع حضارتنا وهويتنا الثقافية، مثل قصة وزير الدولة محمد المهلبي الذي كان يتمنى الموت فلا يجده من فقره وكان يطلب مالا فلا يعطونه غير القليل الذي لا يكفيه؛ فخرج ذات مرة فوقف على صخرة في السوق فقرأ هذه الأبيات:

لا موت يباع فاشتريه

فهذا العيش ما لا خير فيه

ألا موت لذيذ الطعم يأتي

يخلصني من العيش الكريه

إذا أبصرت قبرا من بعيد

وددت لو أنني مما يليه

ألا رحم المهيمن نفس حر

تصدق بالوفاة على أخيه

فتعاطف معه تاجر فأعطاه دينارا؛ فأيقن المهلبي أن تسول الشفقة أشد إيلاما من تسول المال؛ فهاجر، وفي الطريق فكر بتغيير حياته ووصل مدينة وبدأ يجد في العمل حتى صار وزيرا للدولة، ثم عاد إلى السوق بموكب كبير فرآه التاجر فكتب له على رقعة ردا على شعره السابق الذكر قائلا:

ألا قل للوزير فدته نفسي

مقال مذكّر ما قد نسيهِ

أتذكر إذ تقول لضنك عيشٍ

ألا موتٌ يباع فأشتريه؟

فلما نظر فيها تذكره، وهزته أريحية الكرم، للحنين إليه، ورعاية حق الصحبة فيه، والجري على من قال: إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن، وأمر له في عاجل الحال بسبعمائة درهم ووقع في رقعته " مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء " ثم دعا به وخلع عليه، وقلده عملاً يرتفق به، ويرتزق منه.

المثال الثاني: كافور الأخشيدي جيء به ليباع في قطائع ابن طولون في سوق العبيد قال لصاحبه سنفترق ققال صاحبه الجائع: "أرجو أن أباع على طباخ" فقال كافور: "أرجو أن أصبح أمير هذه البلاد" فبيع صاحبه لطباخ وبيع كافور لقائد مصري فأظهر قوة واقتدارا حتى ملك القطائع عاصمة مصر يومئذ (أحد المدن الأربع المكونة للقاهرة الكبرى اليوم) ثم قال كافور : ابحثوا عنه – يقصد رفيقه - في مطاعم الطباخين في المدينة، فوجدوه هناك، فقال كافور: (لقد قعدت به همته وسمت بي همتي ولو جمعتنا همة واحدة لجمعنا عمل واحد)

المثال الثالث معاوية تزوج بميسون البدوية وسمعها يوما تقول:

لَبَيتٌ تَخفِقُ الأرياحُ فيه

أحَبُّ إليَّ مِن قَصرٍ مُنيفِ

ولُبسُ عَباءَةٍ وتَقَرَّ عيني

أَحَبُّ إليَّ مِن لبسِ الشُفوفِ

وأكلُ كُسَيرَةٍ مِن كَسرِ بيتي

أحبُّ إلي مِن أكل الرغيفِ

و أصواتُ الرياحِ بِكُلِّ فَجٍّ

أحبُّ إليّ مِن نَقرِ الدُّفوفِ

وكَلبٌ يَنبَحُ الطُّراقَ دوني

أحبُّ إليَّ مِن قِطٍ أليفِ

وخَرقٌ مِن بني عمي نَحيفٌ

أحبُّ إليَّ مِن عِلجٍ عَلوفِ

خُشونَةُ عِيشَتي في البدو اشهى

إلى نفسي مِن العيشِ الظريف

فخيرها بين القصر أو العودة للبادية فاختارت البادية!

المثال الرابع سيبويه وضع كتاب (الكتاب) ولقب إمام النحووهو لقب لم يظفر به أستاذه الخليل.

القانون الثاني الذي ذكره الدكتور الخضر هو [كما يفكر المرء يكون] وتناوله بالشرح من خلال أفكار فرعية هي (حياتك من صنع أفكارك) (عالم الأفكار أقوى من عالم الواقع) (الواقع كان مجرد أفكار) (تفقد حالتك الداخلية فحالتك الخارجية انعكاس لها) (إذا ركلك الناس من الخلف فاعلم أنك في المقدمة) (الضربة التي لا تقتلك تقويك) (عالم الأفكار أقوى من عالم الواقع) (اللهم ارزق الأفكار أقداما) (المشكلة يراها الناجون فرصة) 

وبالمثل دعم القانون الثاني بنماذج من التاريخ والواقع:

- شاعر كان يظهر قزما بين الناس فقال: أتعلم العلم وأصبح نابغة فإذا سألوني انحنوا لي.

- أبوحنيفة كان قزما وانحنى له الناس لعلمه.

- شاعران أصيبا بالعمى؛ الأول صالح بن عبدالقدوس، وهو على زهده وعلى سيرته العطرة كان يندب نفسه في شعره! والثاني بشار بن برد الشاعر الشهير الذي كان متفائلا في شعره! وأشار الدكتور الخضر إلى أن الشيخ محمد الغزالي ذكر هذين الشاعرين في كتابه (جدد حياتك) كما ذكر الغزالي ديل كارنيجي صاحب كتاب (دع القلق وابدأ الحياة) كرجل صنعته التجربة الإنسانية وجعلته يسطر أروع الحكم التي قال عنها الغزالي لا ينقصها غير الآيات والأحاديث!

واستعرض الدكتور شريحة عليها مخطط يحكي قصة حياة "فكرة" تصادفها ثلاث حفر؛ فهذه الفكرة حين تولد إما أن تدونها أو لا تدونها؛ والخيار الثاني يمثل حفرة موت للفكرة، والخيار الأول يجعلها تنمو، فإما أنك راجعت الفكرة بنفسية إيجابية، أو سلبية، والخيار الثاني يعني موت الفكرة، أما الخيار الأول فهو يعني أن الفكرة جيدة. هذه الفكرة الجيدة إما أنك راجعتها مع عشاق التحطيم وهذا يعني قتل الفكرة؛ المحطمون والمثبطون هم من يساعدك على قتل الفكرة وإما أنك ناقشتها مع الناجحين المتفائلين وهذا يعني نمو الفكرة والبدء بتنفيذها.

وختم الدكتور شرح القانون الثاني بالإشارة إلى قصة يوسف الذي نجح في الخروج من مشكلات كبيرة وصار عزيز مصر.

القانون الثالث بحسب الدكتور الخضر سالم بن حليس هو [قانون القدرات العقلية] وانطلق في شرحه من خلال حقيقة أن قدراتك مشابهة لقدرات الآخرين؛ مستدلا بمقولة لوليم جيمس أبو علم النفس الذي قال: " لو قسنا أنفسنا بما يجب أن نكون عليه لاتضح أننا أنصاف أحياء ذلك لأننا لا نستخدم إلا جانبا من عقولنا في حدود ضيقة.. " وكذلك نتيجة توصل إليها معهد أبحاث ستانفورد مفادها أننا لا نستخدم من أدمغتنا غير 10 في المائة. ويخلص بن حليس إلى أن كل إنسان نسيج وحده؛ لا يشبهه أحد تماما، فله خصوصية بكل شيء من صفاته وقدراته، مستشهدا لمقولة للعالم ساينفيلد الذي قال : "إن احتمال خروجك إلى الوجود كنسبة 1 : 300 بليون شخص" ومستشهدا بمعطيات العلم المتعلقة بالدماغ البشري التي تفيد أن الدماغ يعمل بطاقة 150 ألف جهاز كمبيوتر، وأننا نحتاج مليون سنة لرسم الدماغ على الورق، وأن الدماغ أعظم من الحاسوب بلا مقارنة؛ فالقدرات العقلية هائلة جدا لا حدود لها، ويشير إلى قصة خلق آدم حين قال الخالق – جل وعلا - : ((إني جاعل في الأرض خليفة)) وعظمة ذكاء الإنسان وعظمة الدماغ والحرية التي منحهما الخلق له، قالت الملائكة ((أتجعل فيها من يفسد فيها ...))

ويورد بن حليس تساؤلات معهد ستانفورد، وإجابته عليها:

لماذا لا نتعلم بشكل أفضل في حين يحتوي المخ على 200 بليون خلية؟ لماذا لا نتذكر أفضل في حين تستطيع عقولنا الاحتفاظ بحوالي 100 بليون معلومة بما يساوي دائرة المعارف البريطانية؟ لماذا لا نفكر بشكل أسرع وسرعة أفكارنا 300 ميل في الساعة أكبر من أسرع قطار في العالم؟ لماذا لا نفهم أفضل والمخ يضم تريليون وصلة محتملة لسرعة معالجة المعلومات؟ الإجابة: معظمنا لا يستخدم بحكم العادة سوى 10 في المائة من عقله. ويدعو بن حليس إلى البدء بتنشيط العقل؛ فهذا يعني أن تجد مساحات شاسعة من عقلك تشتغل بالتنشيط، وتزداد بالتدريب والمثابرة، وهذا ما فعله عباقرة العالم، لافتا النظر إلى أن في حياة كلٍ منا جوانب متضخمة، قد يكون الأكل أو النوم أو أي شيء آخر، وشدد على ضرورة التوازن.

وبحسب بن حليس [المقومات الداخلية] هي القانون الرابع من قوانين النجاح؛ فكل إبداع خارجي ينطلق من المقومات داخلية، التي تتكون من أربعة مكونات؛ هي هدف وتركيز ورغبة والتزام، ويمكن تقسيمها إلى طاقتين؛ طاقة البناء التي هي هدف وتركيز ورغبة، وطاقة تحويل التي هي التزام.

يؤكد بن حليس أن المقومات الداخلية لها نسبة 80 في المائة من النجاح. ولتوضيح المكونات الأربعة لطاقة البناء يضرب للهدف مثالا هو حفظ القرآن، والتركيز هو عدم وجود هدف آخر بجانب هذا الهدف، وذلك بعد أن يكون هناك رغبة لحفظ القران مشيرا إلى الآية: (وإلى ربك فارغب) فالقرآن هنا خاطب القناعة الداخلية التي تلد النتيجة، كما خاطب القرآن مركز الحواس في قوله (ناصية كاذبة خاطئة) مشددا على أن الرغبة قبل العمل.

وبالنسبة لطاقة التحويل المتمثلة بالالتزام فهي طاقة تحويل الأحلام إلى حقائق؛ وسبيل ذلك الالتزام، فمثلا يجب الالتزام بحفظ صفحة في اليوم؛ وضرب أمثلة متعددة من التاريخ لناجحين التزموا فحققوا النجاح المأمول؛ فالالتزام هو القانون الخاص بطاقة التحويل؛ ف (إذا ضعف الانضباط قوي الإحباط وإذا قوي الإحباط سيطر الانحطاط). ويضرب مثالا لعدم الالتزام المشاريع المفتوحة التي لا التزام فيها بموعد محدد للإنجاز؛ لأن الملفات المفتوحة في الذهن تشعرك بالتضايق فتكسبك الاحباط.

القانون السادس هو [وَقّتْ مهامك] وفي مستهل الحديث عنه ذكر بن حليس مقولة لبيتر داركر الذي يعد أباً لعلم الإدارة الأمريكية : (إذا لم تستطع إدارة وقتك فلن تستطيع إدارة شيء) فكل شيء يعود لإدارة الوقت، فالوقت هو الأكثر ندرة، ويمتلك الناس نفس الوقت، وبترتيب الوقت تجد فراغات للنمو والتطوير؛ ويضرب الدكتور مثالا بنفسه حين حفظ المتون في الوقت المخصص لمشواره بين المنزل والمعهد الذي كان يدرس فيه الصف الثالث الثانوي، داعيا إلى استغلال المشاوير خاصة في مدينة كبيرة فيها ملايين السيارات؛ وأشار إلى الكتب المسموعة على اليوتيوب التي يمكن استغلالها؛ منوها مرة أخرى بكون المهام المفتوحة لا تنتهي أبدا؛ ومن الضروري تحديد وقت للانتهاء منها، مثمنا القانون الذي يقول : (العمل يتمدد كي يملأ الوقت المحدد لاستكماله).

القانون السابع هو قانون [الإضافة البسيطة] الذي يشرح طرق ملء فراغات الوقت.

القانون الثامن هو قانون [الجدول اليومي] وهنا ينبه بن حليس إلى أن أوقات الصلاة تجدول أوقاتنا كمسلمين محافظين.

القانون التاسع هو قانوزن [المحاولة والاستمرار] ويسرد بن حليس قصة السياسي الأمريكي الذي ظل يخسر في سلسلة من الخيبات التي استمرت ثلاثين سنة؛ لكنه في النهاية فاز برئاسة الولايات المتحدة؛ إنه "أبراهام لينكولن" الذي قال بعد ذلك (ليس هناك فشل وإنما خبرات وتجارب).

ويلخص بن حليس موضوع الورشة بقوله: جاء رجل إلى أحد الناجحين، فقال له: كيف وصلت إلى النجاح؟ قال: بكلمتين (قرارات سليمة). قال: وكيف تضع قرارات سليمة؟ قال: بكلمة واحدة (خبرات). قال: وكيف آتي بالخبرات؟ قال : بكلمتين (قرارات خاطئة)