الدكتوراه في السياسة الشرعية للباحث عبدالكريم فدهين
حصل الباحث عبد الكريم علي فدهين على درجة الدكتوراه في السياسة الشرعية بعد مناقشة لجنة علمية برئاسة الدكتور علاء حسني موسى لأطروحته التي تقدم بها تحت عنوان (دور الأمة في ضبط السلطة في النظام الإسلامي).
وكانت عمادة الدراسات العليا بالجامعة الاسلامية بمنيسوتا المركز الرئيسي كلية الشريعة والقانون - قسم القضاء والسياسة الشرعية قد عقدت جلسة علنية لمناقشة الأطروحة يوم السبت الموافق 16 آذار مارس 2024م، الساعة الحادية عشرة مساء بتوقيت مكة المكرمة.
وتكونت لجنة المناقشة من الدكتور علاء حسني موسى، رئيس قسم القضاء والسياسة الشرعية بالجامعة الإسلامية بمنيسوتا، رئيسا، والدكتور أنس عزالدين جراب، عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بمنيسوتا، مشرفا، والدكتور عمر محمد جبه جي، عضو هيئة تدريس بالجامعة الإسلامية بمنيسوتا، مناقشا داخلياً، والدكتور محمود النفار، أستاذ مساعد بكلية الإلهيات جامعة وان يونجويل في مدينة وان بتركيا، مناقشا خارجياً.
اعتمد الباحث أولاً على المنهج الاستقرائي في تتبع وجمع المادة العلمية وتوثيق الأقوال والآراء وحصرها من مصادرها الشرعية التراثية مع الاستعانة بالمراجع المعاصرة، كما اعتمد ثانياً على المنهج التحليلي من خلال تحليل وتجزئة وفهم العناصر الأساسية والآراء ووجهات النظر ثم نقدها ودراستها، واخيراً اعتمد على الاستنباط وفق القواعد والأصول الفقهية والسنن الكونية المستنبطة من الكتاب والسنة النبوية - على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم - وسنة الخلفاء الراشدين، ومن جاء بعدهم من مراحل التاريخ.
يقرر الباحث ان الأمّة في التعريف الإسلامي هي مجموعة الناس التي تدين بعقيدة واحدة وتصور واحد وتدين لقيادة واحدة، وأن مصطلح الأمّة في الإسلام له معنى فريد لم تشهد البشرية قبل الإسلام ولا بعده مرادفاً لمعناه في أي لغة من اللغات، فلا يشترط الإسلام في الأمّة أن تعيش في إقليم جغرافي واحد، كما أنه لا يشترط في الأمّة أن تنتسب إلى أصل عصبي أو جدٍ واحد.
ويشير الباحث إلى أن من محصلة الغزو الصليبي على العالم الإسلامي؛ إزاحة مفهـوم الأمّة الإسلامية، كمفهوم يشمل كل مسلمي العالم ليصير مفهوماً يرادف مفهوم الدولة القومية، ويقف عند حدود "سايكس بيكو".
ويعرف الباحث مصطلح "ضبط السلطة في الإسلام" بأنه وقوع صاحب القوة النابعة من حق وجوب الطاعة في المعروف، والقادرة على إجبار الأفراد بالامتثال لتوجيهاتها تَحْتَ حُكْمٍ كُلِّيٍّ يَكُونُ مَعْلُومًا في الشريعة الاسلامية.
ويؤكد الباحث أن ضبط السلطة واجب شرعاً على الأمّة، لكثرة الأدلة الشرعية الدالّة عليه، من القرآن والسنة وأقوال العلماء؛ مشدداً على صنفين للأهمية البالغة لضبط السلطة؛ أهمية أُخروية، ومنها أنها عبادة من أجل العبادات التي يُتَقرب بها إلى الله عزّ وجل، و أنها منجاة للحاكم في الآخرة من عقوبة الطغيان وأن يصبح طاغوتاً يُعبد من دون الله ومن عقوبة العلو في الأرض، وأنه يمنع الرعية من أن تستذل وتخضع صامته للسلطة في الدنيا فتنجو بذلك من عقوبة الآخرة. وأهمية دنيوية، ومنها أنها أساس للعدل ودوام الملك، وأنه يحفظ المال العام ويمنع السلطة من استغلال النفوذ للثراء، وأنه يقوي النصرة بين القيادة والأمّة والعمل الجاد والتضحية بناء الدولة، وأنه يحرر العلم والعلماء من الإذلال والتبعية للسلطة، وأنه يحفظ الحرّيات التي كفلها الشرع للمسلم.
ويقرر الباحث أن للأمة مؤهلات ربانية دينية في ضبط السلطة، منها عدم اجتماعها على ضلالة، وأنها خيرُ الأمم أخرجت للناس، وأنها محفوظة مِن الهلاك والاستئصال، إضافة إلى عدم وجود كهانة فالكل متساوون في طلب العلم، كما يقرر أن للأمة مؤهلات مادية في ضبط السلطة، منها قوة الجماهير ، والقوة الاقتصادية، والقوة إعلامية.
ومن خلاصات البحث أن شرعية السلطة مرهونة في قيامها واستمرارها بالتزامها بالعمل على إعمال حاكمية الله وهي من المرتكزات أساسية لضبط السلطة، وأنه يجب أن تكون للأمة بجانب القوى السلمية الأخرى آليات أخرى وقوى أخرى رادعة لممارسة عبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقويم السلطان والجهاد، وكل جانب شرعي للقوة؛ هو من أهم المرتكزات الأساسية للأمة في ضبط السلطة.
والنصيحة – طبقاً لما وصل إليه الباحث - من آليات الأمّة في ضبط السلطة في النظام الإسلامي، ولا بد من استعمال الحكمة فيها، فإذا رأينا أن النصيحة علناً يزول بها المنكر ويحصل بها الخير فلننكر علناً، وإذا رأينا أن النصيحة علناً لا يزول بها الشر، ولا يحصل بها الخير ننكر سراً. كذلك الحسبة من آليات الأمّة في ضبط السلطة في النظام الإسلامي، وهي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا أظهر فعله، ولها مراتب وضوابط، وتنقسم الحسبة بين السلطة والأمّة - حسب البحث - إلى أربعة وهي حسبة السلطة على الأمّة، حسبة السلطة على السلطة، حسبة الأمّة على السلطة، حسبة الأمّة على الأمّة. ومن أساليب حسبة الأمّة على السلطة، دخول العلماء على السلطة للأمر والنهي وتأليفهم للكتب وإرسال الرسائل. استعمال جماعات الضغط في المجتمع كالعلماء و القبائل، و النقابات. الاحتجاجات وتجميع الناس والإنكار العلني. الإضراب العام.
ويخلص الباحث إلى أن أهل الحل والعقد - وهم زعماء الأمّة وأولو المكانة وموضع الثقة من سوادها الأعظم - من آليات الأمّة في ضبط السلطة في النظام الإسلامي، ولهم صفات وشروط. كما أنّ من واجباتهم نصب الإمام، والدعوة لمبايعته، الحسبة والرقابة على السلطة، وعزل الإمام وهذه الأخيرة هي أعسر وظائف أهل الحل والعقد و أجلّها خطراً لما فيها من المواجهة بين السلطة والأمّة.
وينوه الباحث بأن للأمة الحق في عزل السلطة ولو بالقوة - وفق ضوابط - إذا ما توفرت الأسباب المقتضية للعزل والخروج عليه في حالة الردة، والظلم والفسق والبدعة، أو العجز عن أداء مهام السلطة، لأن الأمّة اختارته ليمارس السلطة نيابة عنها، فإذا خرج عن حدود وكالته حقّ للأمة عزله واختيار سواه، كما أن ذلك يحول دون وقوع الحاكم في الاستبداد، ويجعل الأمّة دائمة المراقبة له مما يؤدي إلى تحقيق الغايات المرجوة من الحكم.
وأخيراً نبه الباحث إلى أن من وسائل تفعيل دور الأمّة في ضبط السلطة الدعوة إلى إحياء دور الأسرة في التربية والتنشئة السياسية، وإحياء دور المسجد في التربية السياسية وضبط السلطة. وإحياء دور القبيلة في التوجيه والتربية السياسية لأفرادها. كما نبه إلى أن التعليم عبر المؤسسات التعليمية يعد آليّة لاستكمال ما بدأ في الأسرة من تعليم من وسائل تفعيل دور الأمّة في ضبط السلطة من خلال تعليم العلم الشرعي، وتعليم السياسة الشرعية، وأن الإعلام يلعب دوراً مهماً في تكوين المواقف والاتجاهات، تزويد الجمهور بالمعلومات من خلال آليات التوجيه والشرح والتحليل، التوعية السياسية، التثقيف السياسي، لذا يعتبر من وسائل تفعيل دور الأمّة في ضبط السلطة.