حازم النحاس يشرح فن تحقيق الأهداف وصبري ثامر يروي قصته في الجامعة
ضمن الأنشطة العديدة التي تشرف عليها بشكل مباشر العميدة هند سيف النصر عشماوي أقامت عمادة شؤون الخريجين في الجامعة الإسلامية بمنيسوتا المركز الرئيسي الأمسية الثقافية الثانية، وذلك يوم الجمعة الموافق 19 تموز يوليو 2024م، الساعة التاسعة مساء بتوقيت مكة المكرمة.
بعد افتتاحية قصيرة ألقتها مقدمة فقرات الأمسية الدكتورة هند عشماوي، بدأت الأمسية بتلاوة عطرة من الذكر الحكيم من سورة (فصلت)، رتلها الخريج الأستاذ يعقوب لطف علي سعيد، وذلك قبل أن يلقي الخريج الدكتور حازم النحاس محاضرة تحت عنوان (فن تحديد الأهداف وتحقيقها)، حيث أكد فيها أن أولى خطوات النجاح تحديد الأهداف ذات القيمة، ومعرفة السبل لتحقيقها، مشيرًا إلى أن الناجحين لديهم تعلق شديد بهدف معين، ومنوهًا بأن اتضاح الهدف وتحديده بدقة، يشعل طاقة المرء لتحقيقه، وذكر قصة مائة طالب، كانوا عينة بحث علمي، إذ كانوا على وشك الانتهاء من البكالوريوس من كلية الاقتصاد، بجامعة هارفارد، وقد طرح عليهم سؤال : ماذا تريدون أن تكونوا؟ فأجابوا جميعا : (نريد أن نكون قوى مؤثرة في المجتمع)، وأثبت البحث من خلال تتبع مسار حياتهم أن عشرة منهم فقط، وضعوا لأنفسهم أهدافا محددة بدقة ومكتوبة، وأثبت البحث أن هؤلاء العشرة بعد عشر سنوات من بداية البحث، كانوا يملكون ٩٦ ٪ من الثروة التي يملكها المائة الذين يمثلون عينة البحث.
وضرب الدكتور النحاس مثالا لضرورة تحديد الهدف، بقائد الطائرة الذي يجب أن يحدد مساره بدقة؛ وإلا تاه في الفضاء دون هدف، وانتهى إلى السقوط، وثَمّن قيمة التعليم في اتجاه المرء لتحديد هدف لكل عمل، وقال إن الجهل، أو الخوف من عدم احترام المجتمع للهدف، أو الخوف من الإخفاق هي أسباب إحجام الكثير عن تحديد الأهداف، وقد أشار إلى سنة الكتمان لمعالجة الخوف، كما أكد قاعدة (لا نجاح إلا بعد إخفاق)، منبهًا إلى أهمية قرار الاستمرار بعد الإخفاق كعلاج للخوف من الإخفاق، ولفت الدكتور حازم النحاس إلى حقيقة ميل أغلب الناس إلى البقاء في منطقة الأمان، كما نبه إلى أن أغلب الذين يحققون نجاحًا ذا أهمية، هم من قرروا مغادرة هذا المنطقة، وقبلوا بحد معقول من المجازفة، مشددًا على الوصف "حد معقول".
وعدد النحاس خطوات النجاح؛ ابتداء بالخطوة الأولى وهي الرغبة بالنجاح، والثقة بالنجاح (العقل إذا صدّق الأهداف اشتغل العقل الباطن بتوجيه الفرد لتحقيقها). الخطوة الثانية الواقعية (عدم وضع أهداف شبه مستحيلة)، وضرب مثلا لذلك بمن يريد إنقاص وزنه ٣٠ كيلو، عليه أن يبدأ بهدف إنقاص خمسة كيلو أولا كهدف واقعي. الخطوة الثالثة كتابة الأهداف، وهنا شدد النحاس على ضرورة تفصيل الأهداف بدقة، وذكر مقولة علماء النفس : (الهدف إذا لم يُكتب فهو رغبة). الخطوة الرابعة تحديد المنفعة من تحقيق الهدف. الخطوة الخامسة تحديد مكانك الآن (عند تحديد الأهداف) وذلك من أجل تحديد المكان الذي تريد الوصول إليه (تحديد الهدف). الخطوة السادسة تحديد زمن لتحقيق الهدف، ليكون دافعًا للالتزام بتحقيقه. الخطوة السابعة تحديد العقبات وكتابتها (إذا لم يكن هناك عقبات فلا وجود للهدف). الخطوة الثامنة تحديد المعلومات اللازمة للوصول إلى الهدف (أغلب أهداف هذا العصر تحتاج معرفة جيدة). الخطوة التاسعة تحديد الأشخاص الذين تحتاج إليهم لتحقيق الهدف، وقد يكون شخصًا أو شركةً أو جمعية .. وهنا ذكر النحاس قاعدة الأخذ والعطاء، لمساعدة الآخرين في تحقيق أهدافهم وأخذ المساعدة منهم (العظماء يعطون أكثر مما يأخذون). الخطوة العاشرة والأخيرة وضع خطة عمل مكتوبة لتحقيق الهدف.
بعد محاضرة الدكتور حازم النحاس ألقت عميدة شؤون الخريجين الدكتورة هند عشماوي محاضرة مشابهة، تحت عنوان (مفاتيح النجاح)، أشارت في بدايتها إلى كثرة المؤلفات في هذا الموضوع، وأن مجمل ما ورد في هذه المؤلفات يمكن جمعه في ثلاثة مفاتيح؛ المفتاح الأول حسن التوكل على الله، وهنا أكدت قلة من يفقه هذا المفتاح من الناس، مؤكدةً أن الدين مبني على التوكل، وقد أوردت الدكتورة نصوصًا من الكتاب والسنة في التوكل، وأوردت تعريف السلف له بـ(تفويض الأمر إلى الله في قضاء الحاجات والثقة به) ضمن عدة تعريفات لعدد منهم، وشددت على شرط التوكل المتمثل بصحة الأخذ بالأسباب النافعة الشرعية، فلا تنافي بين التوكل والأخذ بالأسباب، بل إن الاعتماد على الله بالقلب، والأخذ بالأسباب بالجوارح هما ركنا التوكل، فالاعتماد على الله دون الأخذ بالأسباب قدح في الشرع ونقص في العقل، والأخذ بالأسباب دون الاعتماد على الله شرك.
ثم عددت الدكتورة الأصناف الثلاثة في موقفهم من التوكل، وهم من اعتمد على الله ولم يأخذ بالأسباب، وهذا تواكل لا توكل، ومن يأخذ بالأسباب ويبالغ فيها ولا يفوض أمره إلى الله، وهذا جعل الأسباب هي المؤثرة، كمن يعتقد بتأثير العلاج بذاته في الشفاء، والثالث من جمع بين حسن الاعتماد على الله وحسن الأخذ بالأسباب، وهو المطلوب والمحمود.
المفتاح الثاني حسن التخطيط، وهنا أحالت الدكتورة على ما سبق في كلمة الدكتور النحاس، حيث قالت إن حسن التخطيط يبدأ بتحديد الأهداف، مضيفةً أن الأهداف يجب أن تكون إيجابية وشرعية، وملموسة قابلة للقياس، وواقعية، ومُزَمّنة، وضربت أمثلة تطبيقية نبوية، وعصرية توضيحية، لحسن التخطيط.
المفتاح الثالث حسن الاستمرار، وهنا شرحت هند عشماوي مشكلة الانقطاع الناتج عن قلة العزيمة وضعف الإرادة، ومن ثم شرحت كيفية تقوية العزيمة من خلال الثقة بالله، والثقة بوعده، وبنعمه، وبكرمه، وشددت على أن الثقة بالنفس نابعة من الثقة بالله، كما نبهت إلى أن الفشل خطوة من خطوات النجاح، وإلى ضرورة التخلص من لص التسويف، الذي يجب معالجته برفع المعنويات، وإشعال الرغبة بالنجاح من خلال الطاقة الروحانية (الصلاة والذكر والقيام والصيام ...) والطاقة الإنسانية (صلة الأرحام، الاهتمام بالأب، بالأم، بالجيران، بالأيتام ..) وطاقة الشعور بالإنجاز، وطاقة مجالسة الأخيار، والحذر من لصوص الطاقة كالهواتف والمواقع وكثرة الزيارات ...
بعد ذلك تحدث الخريج صبري حسن ثامر عن رحلته الدراسية في الجامعة، ومن بلاغة كلمته، ودلالتها على النجاح العظيم الذي تحققه الجامعة، نورد هذه الكلمة التي قال فيها بعد الديباجة : ..
أريد أن أزودكم بتأريخ عددته لحظة فارقة في حياتي، وزمن جميل نقلني من الرتابة والملل، إلى الجد وجميل العمل، ووضعني في مصاف طلبة العلم، من المعول عليهم في تحسين مستقبل الأمة، وزادني شرفا وهمة، هذا اليوم هو اليوم الذي تم فيه قبولي وتسجيلي في قسم الماجستير، في الجامعة المباركة، هو يوم الثالث عشر من الشهر العاشر من عام ٢٠٢٣م، في قسم الماجستير. التحقت بقافلة تنويرية، نقلت حياتي نقلة نوعية، من التيه والتخبط، إلى العلم وأهله. وتشرفت بوجودي بين قامات عظيمة، يكرسون حياتهم ليل نهار في خدمة العلم وأهله، وأنعم به من جهد، وأنعم بها من غاية، وأنعم به من تشريف، أن يصطفيك الله في خدمة العلم وتذليله وتسهيله لمريديه. كنت قبل الجامعة شغوفًا بالقراءة والكتابة والمطالعة، ولكن بلا إطار؛ أخذت الشاشات كل وقتنا، والإفراط في الشبكة العنكبوتية كان شغلنا الشاغل، ومحال أن يكون هذا الحال حالا صحيا، حتى أتت الجامعة لتؤطرنا بإطار جميل وترسم لنا الخريطة وتحدد لنا الغايات السامية وتدلنا على الخطوات التي تصل بنا إلى حيث يوجد المجد والشرف، كيف لا؟! وقد منحتنا الجامعة أعظم شرف في أرض الله، ألا وهو العلم، كيف لا؟! وقد وضعتني الجامعة الإسلامية بمنيسوتا رهينة العلم، وعلمتني أن العلم هو الشيء الوحيد الذي يشفيني؛ أسميه الشيء، ذلك لأن كلمة الشيء، هي وحدها التي حضرتني كتعريف للترياق؛ إنها تجعلني نغمة ضرورية منسجمة مع المحصلة النهائية لإيقاع اليوم. علمتني الجامعة أني بدون علم، متدخل في سير الوقت، وطارئ مقتحم لمعنى الاكتظاظ اليومي بالبشر، وبدونه أنا بينهم، هكذا، كتجسيد للتطفل. والجامعة منحتني جسارة القفز على الحد الفاصل بين الهاوية وتردد الخائف على سلامة قواه العقلية، بالعلم فحسب، تمكنت من التجريب والتجانن وفرقعة الصوت القدري أمام وفوق رؤوس القادرين على أذية الضعفاء. بالعلم فحسب تصل لمرحلة سمك بلسمك. بالعلم وإذكاء قوته الصادقة الصافية تمكنت من الاستحواذ على رجاء تحويل الضرر لضرورة. نقلتني الجامعة الإسلامية من بيئة منطوية، ومن عزلة الفرد المنكفئ على نفسه، و وضعتني في بيئة يسودها الحب والاحترام، أزاحت عن مقلتي كل الظلام، وجمعتني بكوكبة من الأساتذة الأجلاء، الذين نكن لهم كل المعزة والاحترام، وبفريق إداري تنظيمي يشرف علينا بهمة واهتمام، يذللون لنا الصعاب ويسعون جاهدين لكشف كل ارتياب، كادر تعليمي وكادر إداري وكادر فني قمة في العظمة والجمال، ومهما طال المقال فلن نوفيهم حقهم فهم فوق الكلمات، معنى يستحيل على اللغات. جمعتني الجامعة بزملاء أفاضل من جميع الدول، ومهما باعدت بيننا المسافات إلا أن أرواحنا التقت وصار العلم رحما لنا. زملاء جمعت بينهم قاعات العلم، و والله إن الرحمة لامست قلبي، والحب والتقدير والمودة كانت البيئة الأجمل بيننا. أعادت لي الجامعة الشغف العظيم للقراءة والكتابة بأسلوب جميل وراق، فشحذت همتي ووسعت مداركي، فكتبت، وكانت إشادة الفضلاء لي وقودا يزودني بالقراءة والكتابة، وزادني الثناء حسًا بالتفاني والعمل بالجد والاجتهاد، لكي أكون دومًا وأبدًا عند حسن الظن، وما أجملها من لحظات! وكيف أصف لكم بوح الروح! فوالله الذي لا يحلف بسواه، إن رقة القلب، وسمو الروح وتحسن السلوك صار ديدننا، ونحمدالله العلي العظيم على ما حصلنا عليه من فوائد ومنافع. هذه هي مسيرتي ومسرتي في الجامعة الإسلامية المباركة.