ملتقى عُلَمائي على إثر الزلازل والأعاصير
بعد المصاب الجلل الذي انفطرت له القلوب حزنا، على ما أصاب أهلنا بسبب زلزال المغرب وإعصار ليبيا أقام مركز التدريب والتطوير والبرامج المجتمعية في الجامعة الإسلامية بمنيسوتا - المركز الرئيسي ملتقى عُلمائي بعنوان (رسائل في تضميد جراح الأمة) قدمه نخبة من العلماء، هم د. عمر بن أحمد المقرمي وكيل الجامعة الإسلامية بمنيسوتا - المركز الرئيسي، و د. عبد الحي يوسف عميد أكاديمية أنصار ﷺ ، و د. أحمد الحسني الشنقيطي، الأمين العام المساعد لرابطة علماء المغرب العربي، وذلك يوم الخميس المنصرم الموافق 2023/09/28م.
بدأ الملتقى بتلاوة عطرة من القرآن الكريم بصوت مقرئ الجامعة الشيخ محمود عزت صبري، بعد مقدمة ترحيبية مهدت للموضوع بوصف رقيق للكارثة، ألقتها د. ميسر سلامة المديرة التنفيذية لمركز التدريب والتطوير والبرامج المجتمعية.
ثم ألقى وكيل الجامعة الإسلامية بمنيسوتا - رئيس المركز الرئيسي، د. عمر المقرمي كلمة رحب في بدايتها بأصحاب الفضيلة العلماء المشاركين في الملتقى، قبل أن يتطرق إلى حقيقة واحدية الأمة الإسلامية، التي لا تمس الحدود الجغرافية من رسوخها، منطلقا في تقرير هذه الحقيقة من الآية (وأن هذه أمتكم أمة واحدة)، ومن كون الأمة لها كتاب واحد وقبلة واحدة ولغة واحدة .. وخلص المقرمي إلى وجوب الاهتمام بقضايا الأمة كأمة، مستدلا بالحديث (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، مشيرا إلى أن المصيبة إن وقعت ببلد، فيجب علينا جميعا كأمة الوقوف بما يقتضيه الموقف، مؤكدا أن هذه المصائب هي ابتلاء بنص القرآن، وأنها دنيوية لا دينية، وأن الأمة ستتجاوزها، داعيا إلى تقديم المعونة لضحايا أي كارثة تصيب أي بلد من بلدان الأمة، وإلى عدم استصغار أي شيء يقدمه الفرد لأمته، منوها بأن تثبيت المنكوبين واجب، فتركهم قد يعرضهم لفتنة تنال من يقينهم بالله، منبها إلى أن كل ما يصيب المسلم من أذى يناله الأجر والثواب بسببه، ومشددا على أن القيام بالمعونة واجب على كل فرد من أفراد الأمة وبما يستطيع، معددا ألوان العون الممكن، الذي أقله الدعاء.
وانتقل المقرمي بعد ذلك إلى تأكيد ضرورة نشر القيم والفضائل والعلم النافع بين أفراد الأمة، متحدثا عن أهمية العلم خاصة، مختتما بالتعريج على الدور المبارك الذي تقوم به الجامعة في نشر رسالة العلم النافع في كل مكان.
بعد ذلك تحدث الدكتور عبدالحي يوسف، منطلقا من القسم القرآني (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ...) مؤكدا أن الهدف من هذه الحياة هو الابتلاء (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم) مقررا أن كل إنسان معرض للبلاء، بمختلف أشكاله، ولو سلم من البلاء أحد لكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معددا أمثلة لما ابتلي به محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم انتقل د. عبدالحي إلى الحديث عن الإيمان بالقدر، فهو أحد أركان معتقدنا، فلا يقع شيء مما نحب أو نكره إلا وقد جرى به القلم، مشيرا إلى لطف الله في إخفاء المقادير، وأننا متعبدون بالشرع وليس القدر، بحيث نتعامل مع قدر الله بشرع الله.
وشدد عبدالحي على ضرورة التنبيه إلى أمور مهمة في مثل هذه النوازل، أولها أن هذه الكوارث تزيد من إيماننا بأسماء الله وصفاته، فدقائق يتحول بها العمران إلى خرائب، يزيد إيماننا باسماء الله، القوي والقادر والقاهر والعلي ... وثانيها أن هذه الكوارث تزيد يقيننا بأن الله رحيم بنا، فهو يرسل الآيات لتذكيرنا، واستدل الدكتور على ذلك بعدد من الآيات والأحاديث. وثالثها أن هذه الكوارث تزيد يقيننا بأن القيامة حق (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب). ورابعها، أن هذه الكوارث بالعدد الكبير من الضحاياها إنما هي شهادة. وخامسها أن هذه الكوارث ليست ظلما من الله - تعالى الله عن ذلك - بل قد تكون من موجبات المعاصي والذنوب، بنص الحديث الذي ذكر أن الكوارث تطال حتى غير العصاة، الذين يحفظ الله لهم حقهم دون نقص، وأكد هنا على ضرورة حسن الظن بالله تعالى، مختتما حديثه بطلب الدعاء للمنكوبين.
ثم تحدث الأمين العام المساعد لرابطة علماء المغرب الدكتور أحمد الحسني الشنقيطي، مبتدئا بتأكيد كلام د. عبدالحي عن الابتلاء، متناولا إياه من زوايا جديدة، مستدلا بقوله (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) فالفتنة (الابتلاء) أمر حتمي، وهمة المؤمن ينبغي أن تنصرف إلى كيفية النجاح في هذا الابتلاء. ودعم الشنقيطي حديثه عن سنة الابتلاء بنصوص من السنة، منبها إلى أن الابتلاء فرصة لارتفاع الدرجات والتطهر من المعاصي، فأهل البلاء بين طائع وعاص، فالأول ترفع درجاته والثاني تمحى سيئاته، منوها بأنه يجب النظر إلى الابتلاء نظرة دينية (إلى ما وراء المحسوس) لا نظرة مادية (إلى المحسوس).
وانتقل الشنقيطي إلى قصص الابتلاء عبر تاريخ الأمة، ساردا قصة عروة بن مسعود الذي زار أحد خلفاء بني أمية وكان صديقا له، وبينما كان يتجول في اصطبل الخيول الخاص بالخليفة، رفس حصان ولدا لعروة كان معه، رفسة قوية مات منها الولد. وما لبث أن أصيبت رجل عروة نفسه بالآكلة (مرض) فقطعت رجله لذلك، ولكن عروة صبر وكان يقول : "اللهم إنك أعطيتني من الأطراف أربع، أخذت واحدة، وتركت لي ثلاث، اللهم إن ما تركت خير مما أخذت، وأعطيتني من الأولاد أربعة، فأخذت واحدا وتركت ثلاثة، اللهم إن ما تركت أكثر مما أخذت، اللهم لك الحمد ولك الشكر" وكان الخليفة يعزي عروة بما يرى أن فيه تعزية له، فجاء ذات يوم رجل من جازان، فقال الرجل للخليفة، كان لي أموال طائلة وأولاد، ونزلنا ذات ليلة منخفضا، فجاء السيل فأخذ كل مالي وولدي، ولم يبق لي إلا ولد رضيع وبعير ضعيف، فهرب البعير، فتركت الولد وجريت خلف البعير، فعدا الذئب على ولدي، فلما رأيت الذئب قد قتل ولدي، ذهبت أجري بعد البعير، فرفسني البعير على وجهي فذهبت إحدى عيني، فصرت لا مال لي ولا ولد ولا جمل. فقال الخليفة : قصوها على عروة".
وخلص الشنقيطي من هذه القصة إلى أن المسلم مهما نزل به البلاء عليه أن يتصور أن غيره أكثر بلاء منه، وأن عليه أن ينظر في أمور الدنيا إلى من هم دونه، وفي أمور الدين إلى من هم فوقه، ونبه إلى أن التخويف بالآيات هدفه أن نعود إلى الله (فلولا إذا جاءهم بأسنا تضرعوا) والهدف الثاني أن نتذكر الآخرة لأنها زلزلة، والهدف الثالث، اصطفاء شهداء، فالضحايا من الشهداء؛ فالغريق شهيد والمهدوم شهيد، بنص الحديث، والشهادة كرامة عظيمة، فلا حزن على الضحايا بل الحزن علينا إن لم نعتبر.
وفي ختام حديثه ذكر الشنقيطي الأمور التي يجب القيام بها إزاء هذه الأحداث كأفراد، وهي التضرع، والتوبة، والصدقة، (الصدقة تطفئ غضب الرب). ونبه الشنقيطي إلى قسمي الأقدار، وهما القسم المكتوب الواقع لا محالة، والقسم المعلق بالدعاء.
ختاما، كما مهدت د. ميسر للملتقى بأسلوبها الرقيق، ختمته كذلك، موجهة الشكر لرئيس الجامعة الدكتور وليد المنيسي ولوكيل الجامعة الدكتور عمر المقرمي وللعلماء المشاركين، داعية إلى الاستفادة من فعاليات مركز التدريب والتطوير المتعددة.